الحكم الشرعي للشطرنج

الحكم الشرعي للشطرنج:


كلمــة :

الدّين لا يقود الناس بالسلاسل إلى الطاعات، إنما يقودهم بالتقوى... و إذا حدث أن فسُد الناس في جيل من الأجيال، فإن إصلاحهم لا يتأتى من طريق التشدد في الأحكام. و لكن يتأتى من طريق إصلاح تربيتهم و قلوبهم و استحياء شعور التقوى في أرواحهم." سيد قطب".

الشطرنج :

من الألعاب العقلية المعروفة عالميا، و المتوارثة تاريخيا: لعبة الشطرنج. و قد ظهرت في عصر الصحابة، و اختلف في شأنها الفقهاء ما بين مُحرّم و كاره و مبيح، و مفصِّل.

متى ظهر الشطرنج في الحياة الإسلامية؟

في المعجم الوسيط: الشطرنج ـ بكسر الشين و قد تفتح ـ لعبة تلعب على رقعة ذات أربعة و ستين مربعًا، و تمثل دولتين متحاربتين باثنتين و ثلاثين قطعة، تمثل الملكين و الوزيرين و الخيالة و القلاع و الفيلة و الجنود ...

و قد اتفق العلماء من فقهاء و مفسرين و محدثين و شُرّاح على أنها لم تُعرف عند العرب في زمن النبي صلى الله عليه و سلم، و إنما عرفوها بعد الفتح، فقد نقلوها عن الفرس الذين كانوا قد نقلوها عن الهنود.

قيمة الأحاديث الواردة في الشطرنج:

نظرًا لأنه لم يكن (الشطرنج) في عصر النبوة، لم يثبت عن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ حديث في شأنه، و إن رُوِيت فيه أحاديث من نوع:

- "إن لله عز و جل في كل يوم ثلاثمائة و ستين نظرة ليس لصاحب الشاه (الشاه بالفارسية هو: الملك. و معروف في الشطرنج أن اللعبة تنتهي إذا قضي أحد الخصمين على ملك الآخر). منها نصيب" رواه ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي، و حكم الألباني بوضعه في "الإرواء" رقم "2671".

و مثله ما رواه الديلمي عن ابن عباس رفعه: "ألا إن أصحاب الشاه في النار: الذين يقولون: قتلت و الله شاهك".

و عن أنس مرفوعا: "ملعون من لعب بالشطرنج".

و عن علي مرفوعا: "يأتي على الناس زمان يلعبون بها، و لا يلعب بها إلا كل جبار، و الجبار في النار".

قال الحافظ ابن كثير: و الأحاديث المروية فيه لا يصح منها شيء، و يؤيد هذا ما تقدم من أن ظهور الشطرنج كان في أيام الصحابة.

و من هنا لم يستدل أحد من الائمة الذين ذهبوا إلى تحريمه بشيء من هذه الأحاديث. و لو كان لها قيمة علمية عندهم لاستندوا إليها، إنما استدل بها بعض المتأخرين.

سبب الاختلاف في حكمه:

و لعدم وجود نص شرعي في شأن لعبة الشطرنج يبين الحكم و يحسم الأمر، اختلف الفقهاء في حكمه، ما بين مبيح له، و كاره، و محرم، كمعظم المسائل التي لا توجد فيها نصوص بينة ملزمة، و هذا من فضل الله على الناس، و لطفه بهم، و تيسيره عليهم، إن سكت عن أشياء، رحمة بهم غير نسيان [(و ما كان ربك نسيًا) مريم: 64.]

قال العلامة ابن حجر الهيثمي في شرحه لمنهاج النووي، في شأن الأحاديث المحكية في ذم الشطرنج: (قال الحافظ: لم يثبت منها شيء من طريق صحيح و لا حسن. و قد لعبه جماعة من أكابر الصحابة، و من لا يحصى من التابعين و من بعدهم.

المذاهب الأربعة و لعبة بالشطرنج:

قد رأينا أن الشطرنج لم يثبت فيه نص شرعي يمنعه، و أن الصحابة و التابعين اختلفوا فيه، و أن الأصل في الأشياء و التصرفات الإباحة، و لهذا كان في المذاهب الأربعة من قال بالإباحة، و من قال بالكراهة، و من قال بالتحريم، تبعا للزاوية التي ينظر منها، و الملحظ الذي يستند إليه.

خلاصة القول، الإباحة بشروط:

و خلاصة القول الذي انتهى إليه البحث و النظر في الأقوال، و الأدلة، هو الترجيح أن يكون الأصل في حكم الشطرنج هو الإباحة بالقيود و الشروط التي ذكرها الشافعية و الحنفية في كتبهم، و هي:
  1. ألاّ يُلعب بقمار، و إلا كان حرامًا، بل من الكبائر باتفاق.
  2. ألا يُلهي عن ذكر الله و عن الصلاة، أو أي واجب ناجز من أمور الدين و الدنيا. فإن القرآن علل النهي عن الخمر و الميسر بالصد عن ذكر الله و عن الصلاة. فدل على وجوب مراعاة هذا الأمر.
  3. أن يمتنع من سيء القول و رديء الكلام كالسب و الشتم، و كثرة الحلف الذي يحدث كثيرًا بين اللاعبين.
  4. ألا يلعب به على الطريق، لما فيه من الإخلال بالمروءة، و عدم رعاية حق الطريق.
  5. ألا يكثر منه بحيث يصل إلى درجة الإدمان، الذي يشبه - إلى حد ما - إدمان تناول المسكرات، و غيرها من المخدرات.
و بعبارة أخرى موجزة: ألا يؤدي إلى ترك واجب أو يستلزم فعل محرم، أو يخرج به عن حدود الاعتدال إلى الإسراف و الإدمان، فإن الله لا يحب المسرفين.

أختم هنا بكلمة مشرقة للعلامة رشيد رضا منقولة من كتاب تفسير المنار. قال رحمه الله:

إن اللعب بالشطرنج إذا كان على مال دخل في عموم الميسر، و كان محرمًا بالنص كما تقدم، و إذا لم يكن كذلك فلا وجه للقول بتحريمه، قياسًا على الخمر و الميسر، إلا إذا تحقق فيه كونه رجسًا من عمل الشيطان، موقعًا في العداوة و البغضاء، صادًّا عن ذكر الله و عن الصلاة، بأن كان هذا شأن من يلعب به دائمًا أو في الغالب. و لا سبيل إلى إثبات هذا، و إننا نعرف من لاعبي الشطرنج من يحافظون على صلواتهم، و ينزهون أنفسهم عن اللجاج و الحلف الباطل. و أما الغفلة عن الله تعالى فليست من لوازم الشطرنج وحده، بل كل لعب و كل عمل فهو يشغل صاحبه في أثنائه عن الذكر و الفكر فيما عداه إلا قليلاً، و من ذلك ما هو مباح و ما هو مستحب أو واجب. كلعب الخيل و السلاح و الأعمال الصناعية التي تعد من فروض الكفايات، و مما ورد النص فيه من اللعب: لعب الحبشة في مسجد النبي - صلى الله عليه و سلم- بحضرته، و إنما عيب الشطرنج أنه من أشد الألعاب إغراء بإضاعة الوقت الطويل، و لعل الشافعي كرهه لأجل هذا، و نحمد الله الذي عافانا من اللعب به و بغيره، كما نحمده حمدًا كثيرًا أن عافانا من الجرأة على التحريم و التحليل، بغير حجة و لا دليل.

منقول (بتصرف)

هناك تعليق واحد:

  1. marwanradman12315 نوفمبر, 2013

    جزاك الله خيراً...ياأيا ناصر,ونشكرك شكراً جزيلا على الجهد المبذول...وكما سبق فإن خلاصة القول هي ملخص هذا الموضوع,,,

    ردحذف

Adbox

@templatesyard